حجم الخط + -

تعيش جبهة البوليساريو على وقع أزمة داخلية متفاقمة، تهدد بتفكك بنيتها التنظيمية وتضع مشروعها الانفصالي أمام مأزق وجودي غير مسبوق. تصاعدت في الآونة الأخيرة الأصوات الناقدة من داخل مخيمات تندوف، حيث عبّر عدد من النشطاء والقياديين عن رفضهم لسياسات القيادة الحالية، متهمين إياها بالفشل في إدارة الأوضاع وغياب أي أفق سياسي واضح.

العريضة التي وقعها أكثر من 150 ناشطًا صحراويًا داخل المخيمات، جاءت كمؤشر قوي على الغليان الشعبي المتزايد، حيث طالبت بإجراء تغييرات جذرية، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية، منتقدة عجز القيادة عن تحسين الظروف المعيشية، وسط أزمة خانقة تزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم.

في السياق ذاته، أقرّ قيادي بارز في الجبهة بتراجع المعنويات وانهيار منظومة التعبئة وضعف أدوات العمل الميداني، إضافة إلى غياب التنسيق وافتقار القيادة إلى خطاب سياسي قادر على إقناع القواعد، في وقت تواصل فيه القوات المغربية تعزيز حضورها الأمني والعسكري على الأرض.

الشرخ بين القيادة وقاعدتها داخل المخيمات يتعمق، مدفوعًا بتدهور الأوضاع الاجتماعية، وغياب أي تصور واقعي لمستقبل السكان الذين أنهكتهم عقود من التهجير وانتظار السراب. وفي ظل الانقسامات الحادة داخل اللجنة المركزية، يبدو أن الاستعدادات الجارية لعقد مؤتمر تنظيمي جديد ليست سوى محاولة لامتصاص الغضب، دون أن تحمل في طياتها حلولاً حقيقية.

تزامنت هذه الأزمة الداخلية مع تراجع ملحوظ في الاعتراف الدولي بجبهة البوليساريو، مقابل تنامي التأييد الإقليمي والدولي لمبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها المملكة المغربية، وهي المبادرة التي بدأت تلقى صدى متزايدًا بين صفوف الصحراويين، باعتبارها خيارًا يضمن الأمن والاستقرار والكرامة، بعيدًا عن مسارات الفشل المتكررة التي طبعت مشروع الانفصال.

في ظل هذا السياق المتقلب، تبدو الجبهة اليوم أمام مفترق طرق حاسم، بين مواجهة مطالب التغيير الداخلي، وبين واقع خارجي يزداد ابتعادًا عن مشروعها، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبلها وقدرتها على البقاء.