حجم الخط + -

بقلم: هشام عبود

رغم مرور أكثر من عقدين على العشرية السوداء التي حصدت أرواح ما يقارب ربع مليون جزائري، وخلفت آلاف المفقودين، لا تزال البلاد ترزح تحت ثقل ذاكرة مأساوية لم تُطوَ صفحتها. بل إن آثار تلك المرحلة، بدل أن تخبو، تجد طريقها إلى السطح مجددًا، ولكن هذه المرة بأساليب جديدة وأماكن أبعد.

النظام الحاكم في الجزائر، الذي لطالما غذّى الانقسامات وزرع بذور الشك والتفرقة بين المواطنين، يواصل استخدام الكراهية والعنف الرمزي كأدوات لإحكام قبضته. واليوم، لم تعد هذه الممارسات محصورة داخل الحدود الوطنية، بل امتدت إلى الجاليات الجزائرية في المهجر، مُهددة السلم داخل المجتمعات التي تحتضنها.

في مشهد صادم وقع مساء الاثنين 21 يوليو بمدينة مونبلييه الفرنسية، قام شاب جزائري يبلغ من العمر 29 عامًا بطعن سائق ترامواي جزائري هو الآخر، وسط الشارع وأمام المارة، مرددًا عبارات عنصرية من قبيل: “عربي قذر” و”خائن”. الضحية، البالغ من العمر 42 عامًا، تلقى طعنة في البطن، لكنه نجا من الموت بأعجوبة.

وحسب ما أوردته صحيفة Midi Libre، فقد وقعت الحادثة بينما كان السائق يستعد لبدء نوبته الليلية، برفقة زميل له، قبل أن يتعرض لهجوم مباغت من طرف المشتبه فيه الذي أطلق سيلًا من الشتائم باللغتين الفرنسية والعربية، مهددًا إياه بالقتل، قبل أن ينفذ تهديده مستخدمًا سلاحًا أبيض.

ورغم محاولات الضحية تفادي الطعنة، إلا أنه أُصيب إصابة مباشرة، ليتم نقله على وجه السرعة إلى المستشفى. أما الجاني، فقد حاول الفرار، غير أن عناصر الشرطة تمكنوا من توقيفه بسرعة، وعثروا بحوزته على السكين المستخدم في الجريمة. هذا الشخص معروف لدى الأجهزة الأمنية والقضائية، وقد أودِع الحبس الاحتياطي في انتظار عرضه على القضاء.

هذه الواقعة، وإن كانت مفزعة، ليست حالة شاذة. ففي العاصمة الفرنسية باريس، شهدت الأشهر الماضية تنظيم تجمعات لمناصرين للنظام الجزائري من الجالية، تحولت في كثير من الأحيان إلى ساحة مواجهات لفظية وبدنية مع معارضين جزائريين في المنفى. بعض الوجوه المعروفة في الحراك السياسي أصبحت أهدافًا للتحرش والمضايقة، بل وتعرض البعض منهم لاعتداءات في الشارع. أما شبكات التواصل، فقد أصبحت مساحات لتبادل الشتائم والتهديدات والدعوات إلى الكراهية.

وسط هذا الجو المسموم، تزداد الهوة اتساعًا داخل الجالية الجزائرية بالخارج. الخلافات بين المعارضين والموالين للنظام تستند إلى جراح لم تُضمد، وأحقاد تُوظَّف سياسيًا، وأجواء من التعصب تُرعى عمدًا. أما السلطات الجزائرية، فهي تراقب بصمت، مستفيدة من حالة الانقسام التي زرعتها باجتهاد: فشعب منقسم، من السهل التحكم به.

الكراهية التي تنخر جسد المجتمع الجزائري، سواء تلك المتوارثة من مآسي الأمس، أو تلك التي تُغذى اليوم بخطابات التشويه والتخوين، باتت تهدد السلم الأهلي، ليس فقط في الداخل، بل حتى بين صفوف المغتربين. إنها كراهية تطمس آمال التعايش، وتجهض حلم جزائر موحدة، متصالحة مع ماضيها، ومقبلة على مستقبل مشترك.