شهدت الجزائر حدثًا سياسيًا نادرًا داخل أروقة البرلمان، بعدما رفع 42 نائبًا عريضة إلى المحكمة الدستورية للاحتجاج على ما اعتبروه “تجاوزات خطيرة” تمسّ صلاحياتهم الدستورية في المجلس الشعبي الوطني. وتُعد هذه الخطوة، التي قادها النائب عن حركة مجتمع السلم عبد الوهاب يعقوبي، سابقة في مؤسسة يُنظر إليها تقليديًا باعتبارها خاضعة لتوجيهات السلطة التنفيذية أكثر من كونها سلطة تشريعية مستقلة.

تمرد داخل مؤسسة اتُّهِمت طويلًا بالجمود

لم يُعرف عن البرلمان الجزائري جرأة مماثلة منذ سنوات؛ فالاعتراض العلني من هذا العدد من النواب يُعد خروجًا عن المألوف في مجلس لطالما اتُّسم بالانضباط والتصويت الأوتوماتيكي. ووفق النص المرفوع للمحكمة، يرى النواب أن ما يجري لم يعد “مجرد اختلالات” بل انزلاق مؤسسي يناقض دستور 2020 وروحه الإصلاحية المعلنة.

اتهامات بالتجميد، التعطيل، وتهميش المهام الرقابية

جاءت الوثيقة المحالة إلى المحكمة الدستورية مُحمّلة بجملة من الاختلالات التي يعتبرها النواب تضييقًا متعمّدًا على حقوقهم الدستورية، أبرزها:

  • رفض تعديلات لاعتبارات موضوعية في حين حصر الدستور رقابة مكتب المجلس في الجوانب الشكلية فقط.

  • تجميد أكثر من 60 مقترح قانون رغم مطابقتها لشروط الإيداع ودون إحالة للجنتين المختصتين.

  • غياب تام للّجان البرلمانية للتحقيق منذ سنة 2011 رغم عشرات الطلبات.

  • إهمال 9 أسئلة شفوية وكتابية موجّهة للحكومة خلافًا لواجب الرد خلال 30 يومًا وفق الدستور.

هذه الممارسات، بحسب أصحاب المبادرة، تُفرغ البرلمان من وظيفته التشريعية والرقابية وتحوله إلى مجرد غرفة للتصديق.

مبادرة دستورية لا سياسية

أكد عبد الوهاب يعقوبي أن تحركه وزملاءه لا يحمل أي خلفية حزبية أو مناورات سياسية، بل هو التزام بالدستور وواجب الدفاع عن المؤسسة التشريعية. وتساءل النائب: “ما جدوى البرلمان إذا كان النواب غير قادرين على ممارسة أبسط صلاحياتهم؟”.

هذا السؤال أعاد إلى السطح الجدل القديم حول دور المجلس الشعبي الوطني ومدى قدرة الإصلاحات الدستورية على إحداث تغيير حقيقي داخل البنية المؤسساتية.

هل تنظر المحكمة الدستورية في العريضة؟

يبقى السؤال الأهم: هل ستتجاوب المحكمة الدستورية مع هذه المبادرة غير المسبوقة؟
السوابق لا تدعو للتفاؤل، فقد رفضت المحكمة في سبتمبر 2025 طعنًا تقدم به نواب من حركة مجتمع السلم حول تأجيل افتتاح الدورة البرلمانية، وهو ما اعتبر حينها دفاعًا عن الوضع القائم أكثر من كونه تفسيرًا للدستور.

ورغم ذلك يصرّ النواب على أن خطوة اللجوء إلى القضاء الدستوري تهدف لإصلاح مؤسسات الدولة، وليس لتسجيل موقف سياسي.

أزمة ثقة داخلية وصورة متآكلة للمؤسسات

تكشف هذه المواجهة الداخلية حجم التوتر بين ممثلي الشعب وهيئات التسيير داخل المجلس، كما تعكس تراجع الثقة في الآليات الدستورية المخصصة لضمان توازن السلطات.
ويؤكد مراقبون أن الخلل لا يرتبط بالنصوص القانونية بقدر ما يرتبط بممارسة السلطة وترتيب مراكز النفوذ داخل مؤسسات الدولة.

هل يُعيد النواب الاعتبار للرقابة البرلمانية؟

لا يُتوقع أن تغيّر هذه الخطوة ميزان القوى داخل النظام السياسي الجزائري، لكنّها تسلط الضوء على أزمة أعمق تتعلق بفاعلية البرلمان ودوره الحقيقي. فبين نصوص دستورية تعد بديمقراطية تشاركية وبين واقع مؤسسات تتحرك وفق توجيهات مركزية، يبدو أن أزمة البرلمان جزء من أزمة حكم شاملة.

ويبقى مصير العريضة مجهولًا، لكنّها تظل حدثًا مهمًا في سياق يتسم بجمود سياسي طويل؛ إذ تُظهر أن أصوات الاعتراض لم تختف تمامًا من داخل المؤسسة التشريعية، وأن سؤال استقلالية البرلمان لا يزال مفتوحًا على احتمالات عديدة.