أثار حادث تمزيق نسخ من القرآن الكريم داخل مسجد بوي أون فالي موجة واسعة من الغضب والقلق في فرنسا، بعد أن أقدم مجهول أو أكثر على اقتلاع المصاحف من أماكنها وتمزيقها وإلقائها على الأرض في وضح النهار. ورغم عدم تعرض أي مصل للأذى، فإن الاعتداء كان موجها إلى رمز ديني مقدس وإلى كرامة مجتمع مسلم لا يزال يواجه تصاعدا في التوترات الخطابية والاجتماعية.

وقد سارع المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إلى إدانة هذا الفعل واصفا إياه بأنه اعتداء إسلاموفوبي خطير، ومؤكدا تضامنه الكامل مع الجالية المسلمة في المدينة ومع رواد المسجد. ويرى المجلس أن ما جرى ليس مجرد عمل تخريبي عابر، بل هو فعل يستهدف جوهر عقيدة دينية ويستثمر رمزية القرآن لإيصال رسالة إهانة واستفزاز متعمد.

هذا الحادث لم يقع بمعزل عن سياق عام يصفه العديد من المراقبين بأنه سياق متوتر ومشحون. فالمسلمون في فرنسا يعيشون منذ سنوات تحت ضغط نظرات الشك والتجريح، وتحت وطأة خطابات سياسية وإعلامية تجعل من عقيدتهم محل اتهام أو ريبة. وتزايدت التصريحات التي تحرض على الخوف أو الكراهية، ما خلق مناخا يسهّل انتقال المواقف العدائية إلى ممارسات فعلية تستهدف الرموز الدينية والمصلين.

وتدق هذه الواقعة ناقوس الخطر بشأن مستقبل التعايش في البلاد، إذ يتساءل كثيرون عن الخطوة التالية إذا لم يتم التعامل مع هذه الاعتداءات بجدية. فإذا كان تمزيق كتاب مقدس قد حدث اليوم، فمن الذي يضمن ألا تتطور الأمور إلى اعتداءات على دور العبادة، أو على المصلين، أو على النساء المحجبات في الشارع. فالخبراء في علم الاجتماع يؤكدون أن الكراهية لا تتوقف من تلقاء نفسها، بل تتغذى من الصمت والتجاهل.

وفي مواجهة هذه التحديات، دعا المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إلى تعزيز التدابير الأمنية حول المساجد، لكنه شدد أيضا على أن الحل لا يمكن أن يكون أمنيا فقط. إذ يتطلب الموقف استنهاضا للقيم الجمهورية التي تقوم على المساواة والاحترام وحماية الحريات الدينية. فصون أماكن العبادة، سواء كانت مساجد أو كنائس أو معابد يهودية أو هندوسية، هو أساس متين لدولة تدعي التمسك بمبادئ العلمانية والعدالة.

وتؤكد الأحداث من جديد أن احترام القرآن ليس شأنا دينيا فحسب، بل هو مسألة حضارية ترتبط باحترام الآخر وحقه في ممارسة شعائره دون خوف. فالجمهورية الفرنسية لا تهتز عندما يمزق متطرف نسخة من القرآن، بل تهتز عندما تعجز عن حماية مواطنيها وضمان حقوقهم الأساسية.