في قلب بئر الجير، تحولت عملية بسيطة لتسوية عقارية إلى قضية احتيال على مستوى الدولة. تكشف قضية التعاونية “سوترفو” كيف استخدم رئيس بلدية بئر الجير، رزقي شاهر الدين (الأرندي)، سلطته للالتفاف على حكم صادر عن المحكمة العليا، وصنع وثيقة إدارية مزورة، وإضفاء الطابع القانوني على عملية سطو، وتوليد تدفق مالي غير قانوني يُقدّر بـ 85 مليار سنتيم (ما يعادل 2.96 مليون يورو).

ولفهم آلية هذا الاحتيال، يجب العودة إلى أصل النزاع. كانت التعاونية “سوترفو” تاريخيًا الملكية الشرعية للعمال في الشركة المينائية التي تحمل الاسم نفسه، تحت رئاسة السيد سوسي. وكان هذا الأخير، الحائز على الشرعية النقابية والإدارية، والحاصل قانونيًا على ملكية التعاونية، قد وجد نفسه أمام مأزق مالي عند تخصيص أرض التعويض في بئر الجير: إذ كان على التعاونية دفع مبلغ 850 مليون سنتيم لمصالح أملاك الدولة لاستكمال عملية اقتناء العقار.

وباستغلال هذه الهشاشة المؤقتة، تدخل مقاول لا علاقة له بالقضية، وهو المروّج العقاري دحو الغوتي، في الملف. مستخدمًا أموالًا مصدرها أطراف أخرى، سدد الدين العقاري بدلًا من المكتب الشرعي. وبفضل هذا النفوذ المالي، orchestré انقلابًا إداريًا: تنظيم جمعية عامة مثيرة للجدل أطاحت بالسيد سوسي لتنصيب الغوتي على رأس التعاونية. ورغم أن هذا يدخل في نطاق عمل غير قانوني، إلا أنه حتى ذلك الوقت لم يكن هناك ما هو صادم للغاية: مقاول طموح ومفترس قام برشوة آخر، والقضاء سيحسم، وعلى الأرجح لصالح المالك الأصلي.

الضحية، السيد سوسي، رفع القضية حينها إلى أعلى هيئة قضائية في البلاد. وكان حكم المحكمة العليا، الذي تأكد برفض الطعن أمام مجلس الدولة، قاطعًا: تم إبطال الجمعية العامة التي عقدها الغوتي، واعتُبرت غير قانونية وغير شرعية، مما يجعل بالتالي كل أعمال التسيير والبيع أو التنازل التي قامت بها هذه الإدارة غير الشرعية لاغية وباطلة.

من الناحية القانونية، تم تجميد العقار وعادت الملكية لفريق سوسي. لقد كان الضحية على حق، وقد قام القضاء بدوره تجاه مقاول مفترس تصرف خارج إطار القانون.

لكن القضية لا تتوقف هنا. بل على العكس، تكشف مستوى الانحطاط الذي بلغته منظومة الفساد في عهد تبون وشنقريحة، ونشرح لكم كيف.No photo description available.

رزقي شاهر الدين (الأرندي)، رئيس بلدية بئر الجير رفقة عبد المجيد تبون

بدلًا من تطبيق حكم المحكمة العليا ووقف المعاملات التي تقوم بها إدارة غير مؤهلة وغير شرعية بنظر أعلى هيئة قضائية في البلاد، تدخل رئيس البلدية رزقي شاهر الدين (الأرندي) للقيام بالعكس تمامًا: “تبييض” الوضع والسماح بتسويق القطع الأرضية.

ولتحقيق ذلك، استعمل جانبًا تقنيًا: إذ تشترط القوانين للحصول على رخصة بيع أو بناء توفر شهادة قابلية التعمير. ولا يمكن إصدار هذا المستند إلا بناءً على محضر معاينة نهائي يثبت أن شبكات الطرقات والكهرباء (سونلغاز) والماء (سيور) والتطهير موجودة وتعمل. لكن على أرض الواقع، لم تكن هذه البنى التحتية موجودة. ولهذا كان محافظ الأملاك العقارية، السيد بندريا، يرفض بشكل منطقي تسجيل أي معاملة.


رزقي شاهر الدين (الأرندي)، رئيس بلدية بئر الجير رفقة حسن صولاك، القنصل العام لتركيا في وهران

وللالتفاف على رفض المحافظ العقاري السيد بندريا، ارتكب رئيس بلدية بئر الجير رزقي شاهر الدين (الأرندي) ما لا يُغتفر: إنشاء وثيقة إدارية مزورة. فقد وقع وأصدر “شهادة قابلية تعمير جزئية”. وهذه الوثيقة، وهي شذوذ قانوني اخترع خصيصًا لهذا الغرض، كانت تثبت زورًا وجود الشبكات الحيوية، مما خدع سلسلة الرقابة العقارية وسَمَح بإصدار عقود الملكية.

17 رخصة مزوّرة بيعت مقابل 5 مليارات سنتيم (175 ألف يورو) لكل واحدة

وبمجرد أن أصبحت الأراضي “قابلة للتعمير” على الورق، بدأت آلة المال في الدوران. فالقانون يفرض أن تمر كل رخصة بناء عبر الشباك الوحيد، وهي لجنة تقنية جماعية تتحقق من مطابقة الملفات. ولعلمه أن ملفاته لن تمر أبدًا من خلال هذه اللجنة، أنشأ رزقي شاهر الدين (الأرندي) مسارًا موازيًا.

وبانتهاك كل أحكام قانون التعمير، وقع رئيس البلدية، بشكل فردي ومنفرد، سبع عشرة رخصة بناء. ولم تكن هذه التوقيعات مجانية. وتشير عناصر تحقيقنا إلى أن هذه المخالفة الإجرائية تم بيعها بسعر باهظ: نحو 5 مليارات سنتيم (175 ألف يورو) مقابل الحصول على هذه الرخصة غير القانونية.

ولم يتوقف عند هذا الحد. فخوفًا من تدقيق أو تفتيش من أجهزة الأمن، قام شاهر الدين (الأرندي) باستخراج الملف التقني الكامل لتعاونية “سوترفو” من الأرشيف البلدي ونقله إلى منزله الخاص. وهي عملية سحب لوثائق عمومية تهدف إلى محو آثار غياب الموافقات الصادرة عن سونلغاز وسيور.

وعندما تم تنبيه والي وهران آنذاك، السيد سعيد سعيود، بحجم التجاوزات، سحب في نهاية المطاف تفويض التوقيع في مجال التعمير من رئيس البلدية لإنقاذ الصورة، لكن المنظومة لم تتوقف: فقد تولى نائب الرئيس، السيد بن عبد الله جلالي، المهمة، مستمرًا في توقيع الوثائق المزورة وبيعها رغم المنع الرسمي وقرار المحكمة العليا.

كيف يستطيع رئيس بلدية الاستمرار في بيع رخص مزورة وغير قانونية رغم اعتراض الجميع؟ نكشف ذلك في تحقيقنا الثاني بعنوان: “العقار، والصفقات العمومية، والشلل القضائي: من يحمي رئيس بلدية بئر الجير؟”.

وبالإضافة إلى اختلاس 85 مليار سنتيم (ما يعادل 3 ملايين يورو)، تترك هذه القضية خلفها دمارًا قانونيًا وسلسلة من الأسئلة المقلقة التي تتطلب إجابات عاجلة: ماذا سيحدث للعشرات من العائلات والمشترين الذين اقتنوا هذه الأراضي بحسن نية بناء على احتيال الغوتي؟ فهم اليوم يجلسون على قنبلة موقوتة: وثائق ملكيتهم، المبنية على قرارات أبطلتها المحكمة العليا وشهادات مزورة صادرة عن رئيس البلدية، تعتبر قانونيًا لاغية.

هل عليهم أن يتوقعوا نزعًا قسريًا للممتلكات لإعادة حقوق السيد سوسي، أم أن الدولة ستضحي بقرار أعلى هيئة قضائية لديها من أجل حماية مخالفيها؟

وما يثير القلق أكثر هو الصمت المدوي للمؤسسات. لماذا لم يتحرك وكيل الجمهورية بوهران رغم وضوح التزوير في وثائق رسمية، في حين أن الأدلة المادية (غياب شبكات التهيئة) ظاهرة للعين المجردة؟

لماذا يبقى حكم المحكمة العليا بلا تنفيذ، منتهكًا من إدارة محلية تبدو وكأنها تعمل باستقلال تام عن قوانين الجمهورية؟

وأخيرًا، يجب التساؤل حول الدور المريب لسعيد سعيود. فجموده أمام رئيس بلدية يعرف أنه متورط، واستمراره رغم ذلك في الظهور معه علنًا، يتجاوز مجرد الإهمال. هل تمثل هذه الحماية بحكم الأمر الواقع علامة على تواطؤ فعلي؟

هل قضية “سوترفو” مجرد انزلاق منفرد، أم أنها النموذج الأولي لمنظومة افتراس عقاري أنشئت لتمويل خزينة سرية تخدم الطموحات السياسية المستقبلية للوالي السابق؟

الكاتب: عبد الرحمن فارس