تحقيق حصري: المخابرات الجزائرية أعدمت ألبرت إيبوسي

عقب التسريبات الصادمة التي كشف عنها هشام عبود حول اغتيال لاعب نادي شبيبة القبائل الكاميروني ألبرت إيبوسي، بأمر مباشر من اللواء عبد الحميد علي بنداود، رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية ومكافحة التجسس، وتنفيذاً تحت إشراف جبار مهنا، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الجزائرية آنذاك، قررنا إطلاق تحقيق مستقل خاص بنا. الهدف: كشف حقيقة ما جرى مساء 23 أغسطس 2014، في ملعب 1 نوفمبر بمدينة تيزي وزو.

النتائج تقشعرّ لها الأبدان. فحص الصور وتشريح الجثمان في الكاميرون لا يتركان مجالًا للشك: ألبرت إيبوسي لم يمت عرضًا… بل أُعدم على يد عناصر مدجّجة بالزي الرسمي والدروع. عشر سنوات مرّت، والرواية الرسمية باتت مثيرة للسخرية أكثر منها للتصديق.

ولأول مرة، يقوم تحقيق مستقل بإعادة بناء تسلسل الأحداث، جزءاً بجزء، لحظة بلحظة، لما حصل تلك الليلة. بفضل شهادات خبراء الطب الشرعي، ومحللين، ومهندسين معماريين، ومتخصصين في الميكانيكا الحيوية، إلى جانب صور حصرية، وتشريح جنائي دقيق، ونموذج ثلاثي الأبعاد لنفق الملعب، استطاع فريق التحقيقات تحليل كل إصابة، وكل زاوية، وكل حركة قام بها ألبرت إيبوسي أو نفذها من شارك في قتله.

ما كشفه التحقيق أشد قتامةً مما يُتصوّر: ليست حادثة عابرة، بل جريمة مكتملة الأركان، مخطَّط لها سلفًا، نُفّذت بدمٍ بارد على يد جهاز مكافحة التجسس الجزائري، وسط صمتٍ مريب وتواطؤ ممنهج من أطراف رسمية: أطباء، مسؤولو نادي شبيبة القبائل، وزراء، قضاة، وحتى وسائل الإعلام.

هذه هي قصة القضية التي حاولت الدولة الجزائرية وأجهزتها الأمنية دفنها.
وها هي اليوم تعود إلى الضوء، مع إعادة تمثيل لقصة ترفض أن تدفن.

خمس إصابات جسيمة… لا مجال للشك

أُجري تشريح جثة ألبرت إيبوسي يوم الخميس 1 سبتمبر 2014، الساعة الرابعة مساءً، في المستشفى العسكري الإقليمي بمدينة دوالا، على يد الدكتورين أندريه مونيه وفابيان فودا. التقرير كشف عن سلسلة من الإصابات العنيفة والمركّزة، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون ناتجة عن حجر أو قطعة أردواز كما زعمت الرواية الرسمية:

كسر قاعدة الجمجمة، مع سحق وانفصال الفقرتين الرقبيتين الأولى والثانية، هو السبب المباشر للوفاة الفورية. هذا النمط من الإصابات لا ينتج إلا عن صدمة محورية شديدة العنف، نازلة من الأعلى إلى الأسفل، بطاقة تنزل عموديًا من قمة الجمجمة حتى الرقبة. السيناريوهات المحتملة محدودة جدًا:

لكن إيبوسي كان واقفًا، بزيّه الكامل، عند مدخل النفق، يبعد نحو عشرة أمتار عن المدرجات، وتفصله عنها سياج بارتفاع يتجاوز 2.5 متر. في هذه الظروف، لا يمكن لأي مقذوف قادم من المدرجات أن يُحدث هذا النمط من الإصابة، لأن الضربة جاءت من اتجاه رأسي تمامًا: قمة الجمجمة → قاعدة الجمجمة → الفقرات الرقبية.

المقذوفات اليدوية بطبيعتها تسير في مسارات قوسية، وتفقد طاقتها تدريجيًا، ما يجعل من المستحيل تقريبًا — بل غير منطقي جسديًا — أن تُحدث ضربة مباشرة عمودية بقوة كافية لتُكسِر قاعدة الجمجمة وتخلع الفقرات العنقية.

تلقّى إيبوسي ضربة قوية ومباشرة في الجهة الجبهية الجدارية اليمنى من الرأس، تسببت في كسر في الجزء الأمامي الأيمن من الجمجمة. وقد انتقلت طاقة الصدمة، التي كانت عنيفة للغاية، إلى قاعدة الجمجمة، فكَسَرتها، ثم امتدت إلى أول فقرتين عنقيتين (C1 و C2)، ما أدى إلى كسرهما وخلعهما. هذه الإصابة تسببت في انفصال داخلي للعنق (انفصال قاعدي) وأدت إلى وفاة فورية. أما خلع الكتف الأيسر، فيعود إلى حركة عنيفة تُشبه “ليّ الذراع”، حيث يُجبر الذراع على الالتفاف بقوة إلى أعلى وخلف الظهر. هذه الحركة القسرية تؤدي إلى خروج رأس عظم العضد من تجويف مفصل الكتف (الحُقّ الكتفي)، مما يسبب ما يُعرف بـ الخلع الأمامي السفلي.
ويحدث هذا النوع من الخلع غالبًا عندما يُنفَّذ التواء الذراع بقوة أو عن طريق حركة قسرية عنيفة.

موضع الكسر في الترقوة اليسرى كما ظهر في تقرير التشريح: جزء من العظم بطول يقارب 2 سنتيمتر كان مفقودًا، وكانت الترقوة مفصولة تمامًا عن مفصلها المعروف باسم المفصل القصّي الترقوي، بخلاف الترقوة اليمنى التي بقيت سليمة. ضربة في هذا الموضع يمكن أن تؤدي إلى نزيف داخلي حادّ، خصوصًا إذا تسببت في تمزق الشريان تحت الترقوة أو الوريد العضدي الرأسي، وكلاهما يمرّ على مقربة شديدة من موقع الإصابة.

لكي يُحدث شظية أردواز أو حجر هذا المستوى من التدمير العظمي، فلا بد أن تتجاوز قوة الصدمة 50 إلى 80 جولًا، ومركّزة على مساحة صغيرة، مع تثبيت الرأس تمامًا وتطابق دقيق بين نقطة الضرب ومحورها. هذه الطاقة لا تتوفر إلا في حالات مثل حوادث السير، أو السقوط من ارتفاعات شاهقة، أو الاعتداء المتعمّد بأداة صلبة. لذلك، فإن احتمال أن يكون جسمٌ ما قُذف من المدرجات هو السبب في هذه الإصابات يُعد، وفقًا للمعايير الطبية الجنائية، مستبعدًا إلى درجة تقارب اليقين.هذه الإصابات ليست عرضية. بل هي نمط واضح لعمل مقصود، نُفذ من مسافة قريبة جدًا، بقصد شلّ الضحية فورًا، باستخدام قوة قاتلة محسوبة بدقة. بكلمات أوضح: جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصّد.

تقرير التشريح الطبي المُنجز يوم الخميس 11 سبتمبر 2014 في دوالا

الرواية الرسمية الجزائرية لا تصمد

فور وفاة ألبرت إيبوسي، تغيّرت رواية السلطات الجزائرية عدة مرات: تحدّثوا تارةً عن حجر، ثم عن وعكة صحية، ثم انزلاق، عن سكتة قلبية، ثم عن شظية أردواز، كل شيء إلا جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار. لكن أياً من هذه السيناريوهات لا يتوافق مع نتائج التشريح الذي أُجري في الكاميرون، والذي أثبت، بوثائق رسمية وصور وأشعة، أن الإصابات ناجمة عن صدمة عنيفة، مباشرة، وقاتلة.

باستثناء بيان يتيم أصدرته نيابة الجمهورية لدى محكمة تيزي وزو بعد يومين من وفاته، بتاريخ 25 أغسطس 2014، وتحدث عن “صدمة ناجمة عن جسم حاد وصلب تسببت في نزيف داخلي” — لم يُنشر أي تقرير طبي شرعي رسمي منذ ذلك الحين. حتى عائلة اللاعب لم تتسلّم أي محضر رسمي مفصل. وهذا الفراغ الكامل، وهذا الصمت المنظّم، هو ما دفع أقاربه إلى طلب تشريح مستقل في الكاميرون بتاريخ 4 سبتمبر 2014.

ولكشف نتائج هذا التشريح للرأي العام، تم تنظيم مؤتمر صحفي يوم السبت 13 ديسمبر 2014 في فندق سوماتيل بمدينة دوالا، بحضور الفريق الطبي الكاميروني، وعائلة ألبرت إيبوسي، وهيئة الدفاع.

 

صرّح جان-جاك بيرتران، المحامي الفرنسي الممثل لعائلة اللاعب: “لدينا التقرير والصور. من المستحيل النظر إليها. بعد رؤيتها، لا يمكن لأحد أن يصدّق الرواية الرسمية.”

التقرير، الموقّع من قبل الدكتورين أندريه مونيه وفابيان فودا، كان واضحًا لا يحتمل التأويل:
تم تسجيل خمس إصابات جسيمةكسر في قاعدة الجمجمة، سحق في الفقرات العنقية، كسر في قبة الجمجمة، خلع في الكتف الأيسر، وكسر في الترقوة مع فقدان جزء من العظم. وقد شدّد الدكتور مونيه على أن هذه الإصابات “لا تتوافق بأي شكل مع ما ادعته السلطات الجزائرية في البداية، بأن اللاعب أصيب بمقذوف ألقي من المدرجات.”

تشريح مضاد يهزّ الرواية الرسمية

أمام ضربة مباشرة للرواية الرسمية، سارع النظام الجزائري لمحاولة استعادة زمام المبادرة. في 15 ديسمبر 2014، صرّح محمد الطيب لازيزي، النائب العام لدى محكمة تيزي وزو، بأن “محامي عائلة إيبوسي سيحصل على كافة التوضيحات خلال أيام قليلة.”
وبعد فترة وجيزة، أعلن الطيب لوح، وزير العدل آنذاك — والذي أُوقف لاحقًا وأدين بالسجن ثماني سنوات، من بين التهم: تزوير محاضر رسمية — عن فتح تحقيق قضائي، وتعهّد بتعيين قاضٍ مختص، وبأن “كل من يُشتبه فيه أو يثبت تقصيره سَيُتابَع قضائيًا.”

لكن كل تلك الوعود لم تُترجم إلى أي إجراء فعلي. لم تُعرض أي لقطات من كاميرات المراقبة في نفق الملعب — رغم أنها موجودة.
لم يُنشر أي تقرير طبي شرعي كامل من جانب السلطات الجزائرية. والأخطر: لم يتم تقديم أي دليل موثوق يدعم الرواية الرسمية، أو يُفند التشريح الكاميروني المدعوم بأدلة مادية وأشعة. هذا الغياب التام للشفافية، إلى جانب تناقضات صارخة في توقيت ومكان الوفاة — بين من يقول إنها وقعت على أرضية الملعب وآخرين في غرف الملابس — عزّز القناعة بأن هناك رواية رسمية مصطنعة أُعدّت مسبقًا لطمس حقيقة إعدام محتمل.

ومع بدء وسائل الإعلام الدولية بطرح الأسئلة (BBC، The Guardian، الجزيرة)، اتضح الثمن الباهظ الذي يدفعه من يجرؤ على فتح الملف. محمد تامالت، من أوائل الصحفيين الذين أشاروا إلى أن إيبوسي ربما قُتل عمدًا، توفي في السجن بعد دخوله في غيبوبة دامت ثلاثة أشهر، نتيجة إضراب عن الطعام. ملفه الطبي تمّ إغلاقه بالكامل. في الوقت نفسه، حُكم على الصحفي الرياضي الفرنسي كريستوف غليز، الذي كان يُعدّ كتابًا عن مقتل إيبوسي، بـسبع سنوات سجنًا نافذًا في يونيو 2025 من قبل محكمة تيزي وزو، بتهمة ” الإرهاب.”

في كلا الحالتين، لم يُتابَع الصحفيان بسبب أدلة مزوّرة أو جريمة حقيقية — بل لأنهما تجرّآ على التحقيق حيث يُمنَع التدقيق، حيث الدولة الجزائرية تسدّ الأبواب في وجه الحقيقة.

في هذا السياق المتوتر، جاءت تصريحات وزير الشباب والرياضة آنذاك محمد تهمي. ففي مقابلة إذاعية وطنية بتاريخ 23 ديسمبر 2014، قال: “تسلّمنا تقريرًا إداريًا يشير إلى أن الوفاة ناتجة عن القتل غير العمد. جميع اللاعبين في الملعب كانوا يتعرضون للرشق، ما ينفي فرضية العمل المتعمد. القضية الآن بين يدي القضاء الذي سيتولى تحديد المسؤوليات.” تصريح حازم وواثق، لكنه، في غياب أي تقرير طبي منشور أو دليل جديد يدعم هذا الاستنتاج، زاد الشكوك بدل أن يُبددها، وأوحى بأن الرواية الرسمية كانت جاهزة سلفًا لتأطير القضية كحادث عرضي، حتى لو جاء ذلك على حساب الحقيقة الكاملة والشفافية التامة.

بدل الرد على التشريح الكاميروني بالأدلة والتحليل والتقارير الطبية، فضّلت السلطات الجزائرية الاستهانة العلنية. ففي 26 ديسمبر 2014، خرج البروفيسور إبراهيم بولعسل، رئيس مصلحة الطب الشرعي في تيزي وزو، ليشكك علنًا في كفاءة الأطباء الكاميرونيين، وقال: “الخبرة التشريحية التي أجراها الأطباء الكاميرونيون لا تعكس الواقع. الملاحظات الواردة غير موضوعية ولا تتماشى مع المعايير الدولية المعتمدة في الطب الشرعي، ولا مع ما يطلبه عادةً وكيل الجمهورية في حالات الوفاة المفاجئة أو المشبوهة أو العنيفة.” وأضاف: “فتح التجاويف الجسدية من طرف طبيب تشريحي أمر، وتفسير النتائج من طرف طبيب شرعي معتمد أمر آخر تمامًا.”

هذا الهجوم لم يكن مجرد تشكيك طبي، بل محاولة سياسية ومؤسساتية لضرب مصداقية التشريح المضاد، ولصرف الانتباه عن الغياب الكلي للتقارير الرسمية والتوثيق من الطرف الجزائري.

رغم ذلك، فإن البروفيسور عباس زيريمدير مستشفى تيزي وزو حينها اعترف صراحة بوجود “رضة عنقية شديدة” عند إدخال إيبوسي إلى الطوارئ — وهي ملاحظة تتطابق تمامًا مع نتائج التشريح الكاميروني. لكن زيري نفسه يبدو محوريًا في عملية التعتيم الطبي اللاحقة. عدة عناصر تدينه مباشرة: امتناعه المتعمد عن تقديم الأدلة الحاسمة، حجب الأشعة وبيانات الإصابات، غياب كامل لأي تقرير تشريحي رسمي، وبصفته مديرًا للمستشفى، فإن صمته المؤسسي يُعدّ تواطؤًا فعليًا بالصمت والتستّر.

يُذكر أيضًا أن هذا الطبيب كان في قلب اتهامات داخلية وعامة متكررة، شملت الفساد البنيوي، المحسوبية في منح الصفقات العمومية، اختلاس موارد المستشفى لأغراض شخصية، والتحرّش الجنسي المتكرر بطاقم التمريض النسائي.


على اليسار البروفيسور إبراهيم بولعسل، رئيس مصلحة الطب الشرعي في تيزي وزو.
على اليمين: البروفيسور عباس زيري، مدير مستشفى تيزي وزو.

وجود اللواء عبد الحميد علي بنداود — الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية ومكافحة التجسس في الجزائر (DSI) — داخل المشرحة، في اللحظة الدقيقة التي كان يُحضّر فيها جثمان ألبرت إيبوسي لنقله إلى مستشفى عسكري، يطرح أسئلة خطيرة ومقلقة. وقف بنداود بلهجة سلطوية واضحة، يتبعه أحد عناصره بلباس مدني، في مشهد يُقابل تمامًا توتر وارتباك البروفيسور عباس زيري، مدير المستشفى، الذي بدا أشبه بموظف خاضع لا يجرؤ على التصرف كطبيب مستقل. هذه اللقطة، التي بثتها قناة الهداف TV، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الأمور لم تكن تحت سيطرة المدنيين أو الطاقم الطبي، بل أصبحت منذ تلك اللحظة تحت إمرة أجهزة الأمن والمخابرات مباشرة.

في أي سياق قانوني أو ديمقراطي طبيعي، سيكون تدخّل جهاز أمني في إجراء طبي شرعي أمراً غير قابل للفهم — إلا إذا كانت الدولة تحاول السيطرة على مجريات الملف، أو كتم، أو حتى طمس حقيقة محرجة.

وفاة ألبرت إيبوسي ليست حادثة ملاعب. بل هي جريمة قتل مع سبق الإصرار، نُفذت، وأُخرجت، ثم غُطيت بأمر وإشراف مباشر من اللواء عبد الحميد علي بنداود.

صمتٌ يعلو فوق كل ضجيج

تفصيل مزعج آخر يستحق التوقف عنده: لاعبا شبيبة القبائل جغرة مفتاح (رقم 15) ونبيل مزاري (رقم 25) يظهران بوضوح عند مدخل النفق. كانا شاهدَين على ما حدث. رأيا ألبرت إيبوسي ملقى على الأرض بلا حراك. ومع ذلك، وحتى هذه اللحظة، لم يصدر عن أيٍّ منهما أي تصريح علني. هذا الصمت المديد يُثير أكثر من علامة استفهام. ثم هناك علي ريال (رقم 5)، الذي دخل النفق قبل إيبوسي بخطوات قليلة. فجأة، يتقدم شرطي بزي رسمي ويفصل بينهما، ثم ينضم إلى خمسة عناصر شرطة آخرين لتطويق إيبوسي بالكامل. بعد لحظات، يسقط اللاعب أرضًا بشكل عنيف. في يناير 2019، صرّح الرئيس السابق للنادي محمد شريف حناشي على قناة “الجزائرية وان” بأنه “لا يعلم شيئًا عن تفاصيل الحادث”، رغم أنه ادعى سابقًا أن إيبوسي “كان يناديه أبي”.

لكن كاميرات “الهداف TV” والتلفزيون الجزائري الرسمي ENTV كانت تصوّر مباشرة داخل النفق. ويُظهر التسجيل لحظة سقوط إيبوسي محاطًا بعناصر مكافحة الشغب.

من الصعب تصديق أن هذه اللقطات لم تمرّ على صحفيين أو مصورين أو منتجين أو حتى مسؤولي النادي. ومع ذلك، على مدار عشر سنوات: لا تصريح. لا تسريبات. لا شهادات. ولا حتى سؤال واحد طُرح علنًا.
كيف يُمكن تفسير هذا الصمت الجماعي؟


جغرتة مفتاح (رقم 15) ونبيل مزاري (رقم 25)، يقفان عند مدخل النفق، ويشاهدان إيبوسي ميت بلا حراك.

والد إيبوسي، أندريه بودجونغو، أكّد أنه تلقى اتصالًا هاتفيًا واحدًا فقط من محمد شريف حناشي، رئيس النادي، وذلك يوم وفاة ابنه. وقال إن أيًّا من مسؤولي النادي لم يحضر الجنازة، ولم يتواصل أي طرف من شبيبة القبائل مع العائلة منذ ذلك اليوم. كما عبّر عن صدمته من غياب حناشي شخصيًا عن مراسم الدفن، رغم أن النادي زعم أنه أرسل وفدًا رسميًا.

من جانبه، صرّح حناشي بأنه كلّف ممثلين عن الاتحاد الجزائري لكرة القدم، اللجنة الأولمبية، والنادي، مضيفًا أن السفير الجزائري في الكاميرون، توفيق ميلات، حضر بنفسه، وأن مساهمة مالية قدرها 15 ألف يورو خُصصت لتكاليف الجنازة.

لكن حضور دبلوماسي رفيع بدل مسؤولي النادي مباشرة، والاعتماد الكامل على قنوات رسمية، يطرح سؤالًا أساسيًا:
هل كانت شبيبة القبائل حرة في أن تتحدث وتتصرّف في هذه القضية؟ أم تم منعها صراحة؟

جثمان إيبوسي في مطار دوالا، ويظهر السفير الجزائري في الكاميرون توفيق ميلات — 29 أغسطس 2014.

تحليل مشاهد اغتيال إيبوسي

تُظهر سلسلة الصور التالية اللحظات الأخيرة من حياة ألبرت إيبوسي، وفق تسلسل بصري يبدأ من أعلى اليسار إلى أسفل اليمين:

إشارة أولية: أحد الضباط يومئ بإصبعه نحو إيبوسي، مع تبادل نظرات واضحة مع بقية العناصر.

تموضع تكتيكي: عنصران من شرطة مكافحة الشغب يتمركزان على جانبي إيبوسي، مفسحين له ممرًا ضيقًا للعبور.

تطويق: فجأة، يضيق الخناق. العناصر تنقضّ وتغلق الدائرة حول إيبوسي بحركة كماشة مُحكمة. لا مهرب.

ليّ الذراع: العنصر الذي على اليسار يمسك بذراع إيبوسي اليسرى ويطبق عليها “كلّة” من الخلف. إيبوسي يتلوى، يلف رأسه، يبدو مندهشًا ومتألّمًا. العنصر على اليمين يُخفي ذراعه خلف الدرع.

تهيئة الضربة: العنصر على اليمين يُخرج ذراعه من خلف الدرع ويرفعها عاليًا.

تنفيذ الضربة: الذراع تهوي بقوة. يبدو أنه يمسك بجسم ما لحظة الضرب.

السقوط: إيبوسي ينهار بعنف على الأرض تحت وطأة الضربة.

الاختفاء السريع: العنصر الذي وجّه الضربة ينسحب فورًا إلى داخل النفق، بينما يتحرك بقية العناصر لإغلاق زاوية الرؤية.

شهود عيان: لاعبا شبيبة القبائل جغرة مفتاح (رقم 15) ونبيل مزاري (رقم 25) يظهران بوضوح عند مدخل النفق، يراقبان إيبوسي وهو ممدد على الأرض، ميتا، بلا حراك.

الموقع الدقيق لوفاة إيبوسي

الموقع الدقيق لوفاة إيبوسي

لم يمت ألبرت إيبوسي لا على أرضية الملعب ولا داخل غرف تبديل الملابس؛ بل فارق الحياة فورًا عند مدخل النفق، بعد أن أحاط به ما لا يقل عن ستة عناصر من شرطة مكافحة الشغب وهم على تماس جسدي مباشر معه، يحملون الدروع ويرتدون الزي الرسمي.

في الصورة الأولى، يظهر إيبوسي بوضوح وهو يواجه الجماهير. لو كان قد أصيب بمقذوف من المدرجات، لكان ذلك هو التوقيت المنطقي للإصابة. لكن الصور تُظهره وهو يلوّح للمشجعين بهدوء، يبادلهم التحية، بل يُشكّل بيديه علامة قلب 🫶🏻 في لفتة ودّ ومحبة.
كما توضح الصورة مدى ارتفاع السياج (لا يقل عن 2.5 متر)، والمسافة الفاصلة بين المدرجات ومدخل النفق (حوالي 10 أمتار). في ظل هذه المعطيات، من غير المعقول منطقيًا أو فيزيائيًا أن يكون قد أُصيب بقذيفة أُطلقت من المدرجات بينما كان داخل النفق بالفعل.

وفاة إيبوسي: حالة لا مثيل لها في تاريخ كرة القدم العالمية

رغم صعوبة تصديق الأمر، فإن ألبرت إيبوسي يُعدّ حتى يومنا هذا اللاعب المحترف الوحيد في العالم الذي تم الإعلان رسميًا عن وفاته نتيجة إصابة بمقذوف قادم من المدرجات أثناء مباراة. بحث دقيق في أرشيفات الفيفا، والصحافة الرياضية والدولية، وقواعد البيانات بلغات متعددة—including ويكيبيديا—لم يسفر عن أي حالة مشابهة خلال مئة عام مضت. لاعبون آخرون مثل ديدا (2005)، ليونيل ميسي (2008)، ريو فرديناند (2012) وكريستيانو بيراغي (2023)، تعرّضوا لمقذوفات خلال مباريات رسمية، لكن جميعهم أصيبوا إصابات طفيفة فقط، ولم يلقَ أيٌّ منهم حتفه.

ما سيبقى في ذاكرة التاريخ ليس فقط فرادة الحدث، بل فرادته المروعة: في عنفه، وفي التضليل الإعلامي الذي تبعه، وفي الصمت المُطبق الذي أحاط به.استنادًا إلى ما توفر من أدلة طبية شرعية، وشهادات شهود عيان، وحقائق موثقة—من نمط الإصابات الذي يتنافى مع الرواية الجزائرية الرسمية، إلى إخفاء تسجيلات الفيديو، وغياب التقرير الطبي الكامل، مرورًا بصمت إدارة نادي شبيبة القبائل، ووصولًا إلى تدخل مباشر من أجهزة الأمن الجزائرية—لم يعد هناك أي مجال للشك:

وفاة ألبرت إيبوسي لم تكن حادثًا عفويًا، ولا نتيجة ظروف طارئة. لقد كانت عملية اغتيال متعمدة، بتنفيذ منظّم، على يد عناصر بزي رسمي ودروع، وبغطاء سياسي وأمني مباشر من السلطات الجزائرية.

عبد الرحمن فارس ✍️

Exit mobile version