بقلم هشام عبود
تعود غزة من جديد إلى حافة الهاوية. ففي يوم الجمعة الماضي، صادق المجلس الأمني الإسرائيلي على خطة عسكرية غير مسبوقة في حجمها: احتلال مدينة غزة، وتهجير سكانها قسرًا من الشمال إلى الجنوب، وفرض حصار كامل عليها، واقتحام الأحياء السكنية، ثم السيطرة على مخيمات اللاجئين في الوسط التي دمّرتها القذائف من قبل. خارطة طريق، تقول الأمم المتحدة، من شأنها أن تحوّل الكارثة الإنسانية الحالية إلى مأساة لا رجعة فيها، خاصة وأن 87% من أراضي القطاع باتت تحت السيطرة العسكرية أو مستهدفة بأوامر إخلاء.
وأمام هذا التصعيد، أصدر وزراء خارجية أستراليا وألمانيا وإيطاليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة بيانًا مشتركًا، أدانوا فيه بشدة هذه الهجمة التي وصفوها بأنها “انتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني”. ودعوا إلى العودة لمفاوضات مباشرة بهدف الوصول إلى حل الدولتين، وطالبوا برفع القيود الإدارية التي تفرضها إسرائيل على عمل المنظمات الإنسانية.
صمتٌ مدوٍّ من الجزائر
وإذا كان صوت الاستنكار الدولي واضحًا، فإن بعض الأنظمة العربية تكتفي بمواقف جوفاء وشعارات مستهلكة. فالجزائر، على سبيل المثال، لا تفوّت فرصة لتكرار خطابها عن تمسّكها المطلق بالقضية الفلسطينية، لكن الوقائع على الأرض تكذّب هذه الشعارات. فلا مساعدات غذائية أو طبية ملموسة وصلت من طرفها إلى سكان غزة، ولا تم اقتراح ممرات إنسانية، ولا أُطلقت مبادرة دبلوماسية كبرى، ولم تنضم الجزائر إلى أي مسعى دولي، حتى ذلك الذي قاده الوزراء الغربيون الخمسة.
بل إن النظام الجزائري يذهب أبعد من ذلك، إذ يمنع أي تظاهرة شعبية لدعم فلسطين، محاصرًا تضامن شعبه في حدود بيانات رسمية لا يتبعها أي فعل. وكأنّ بإمكان الخطابات أن تطعم الجائعين، أو أن تُضمّد الجراح النازفة عبر بيانات صحفية.
شعارات لا تملأ البطون
من المفهوم أن الشعب الجزائري، الذي اعتاد على الوعود الكاذبة من حكامه، قد تعلم أن يعيش دون أن ينتظر الكثير من الدولة. لكن الفلسطينيين في غزة لا يملكون هذا الترف: فهم يفتقدون الخبز والماء الصالح للشرب والدواء كل يوم، ويدفنون موتاهم كل ساعة. وقد حان الوقت لقول الأمور بوضوح: إمّا أن نقدّم لغزة الطعام والدواء والمساعدة الفعلية، أو نعترف بأننا نتركها تموت جوعًا وتحت القصف. وبالمثل، إمّا أن نسعى جديًا لوقف الاحتلال الإسرائيلي، أو نتحمّل مسؤولية استمراره.
في هذه المأساة، يثبت الشعوب العربية – في الجزائر وغيرها – أنها لم تنسَ القضية الفلسطينية، لكن حكّامها يبدو أنهم استبدلوا التضامن الحقيقي براحة المواقف السياسية. أما غزة، فهي لا تحتاج إلى وعود، بل إلى خبز وماء وأمل.