بقلم: هشام عبود
فصل جديد من المسلسل القضائي المرتبط بالتسيير الغامض للوكالة الوطنية للنشر والإشهار (ANEP) يستعد للانطلاق في الجزائر. ففي 19 أوت القادم، سيفتح القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بمحكمة سيدي أمحمد التحقيق فيما بات يُعرف بـ “قضية ANEP 2”.
من بين المتهمين الثلاثة عشر: وزيرا الاتصال السابقان في عهد بوتفليقة — جمال كعوان وحميد قرين — إضافة إلى المدير العام الأسبق للوكالة، أمين الشكر. ويلاحق هؤلاء بتهم اختلاس أموال عمومية، ومنح امتيازات غير مستحقة، وإساءة استغلال الوظيفة في إطار توزيع الإعلانات العمومية.
ريع إعلاني يُوزّع وفق الولاءات
كشفت التحقيقات القضائية، التي فُتحت سنة 2023، عن منظومة مفصّلة على المقاس لخدمة “صحف وهمية” موالية للنظام القائم. فقد كانت المساحات الإعلانية تُمنح لا على أساس معايير اقتصادية، بل وفق الانتماءات السياسية وشبكات النفوذ.
وتحدثت الشرطة القضائية عن “خروقات خطيرة” تعكس حجم الزبائنية المتجذّرة في هذه المؤسسة المحورية ضمن المشهد الإعلامي الجزائري.
وقد وُضع جمال كعوان وأمين الشكر في الحبس المؤقت، بينما يخضع حميد قرين للرقابة القضائية مع منعه من مغادرة التراب الوطني. أما المتهمون العشرة الآخرون — من إطارات وموظفي الوكالة — فسيُحاكمون هم أيضًا.
استمرار منظومة لم تُفكَّك أبدًا
يأتي هذا المسار القضائي بعد أشهر قليلة فقط من انتهاء “قضية ANEP 1″، التي أُدين فيها وزير الشباب والرياضة الأسبق عبد القادر خمري بأحكام وصلت إلى ثماني سنوات سجن، بتهم تبديد أموال عمومية ومنح امتيازات غير مشروعة.
وتؤكد هذه القضايا المتتالية أن الوكالة لم تكن سوى أداة للسيطرة السياسية. فقد أثبتت التحقيقات ما كان الكثيرون يعلمونه مسبقًا: الإشهار العمومي تم تحويله إلى وسيلة لمكافأة الموالين ومعاقبة المعارضين، سواء في عهد بوتفليقة أو في عهد تبون. واليوم، يجد الموالون السابقون لبوتفليقة أنفسهم يدفعون ثمن ولائهم لنظام أسقطه الحراك، وغدًا قد يأتي الدور على المحسوبين على تبون.
محاكمة تتجاوز الأفراد إلى إدانة منظومة
تستند المتابعات إلى القانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، وهو إطار قانوني مُعزَّز نظريًا، لكن فعاليته الفعلية تبقى محل شك.
ويرى كثير من المهنيين في قطاع الإعلام أن هذه المحاكمة لا تتعلق بالأشخاص بقدر ما تفضح نظامًا كاملًا من “التنظيم” — أو بالأحرى “الفوضى” — الذي يكبل منذ عقود الاستقلال الاقتصادي والتحريري للصحافة الجزائرية. فالآلية الزبائنية لتوزيع الريع الإعلاني، بدل أن تختفي، أعادت إنتاج نفسها… مع تغيّر الوجوه وبقاء الأسلوب ذاته.
بطاقات تعريفية
جمال كعوان
بدأ العمل الصحفي سنة 1986 بجريدة “المجاهد”، وصعد سريعًا في المناصب: صحفي برئاسة الجمهورية (1987-1989)، رئيس تحرير “المجاهد” (1989-1998)، مدير نشر “وقت الجزائر” (2008-2015)، ثم رئيس مدير عام للوكالة الوطنية للنشر والإشهار (2015-2017).
في ماي 2017، خلف حميد قرين وزيرًا للاتصال في حكومة تبون، ثم أُعيد تعيينه في عهد أويحيى. وفي 6 مارس 2023، وُضع رهن الحبس المؤقت في قضية ANEP.
حميد قرين
ولد في 20 جوان 1954 ببسكرة، وتخرّج في علم الاجتماع من جامعة الجزائر. بدأ في الصحافة الرياضية قبل أن يتجه إلى مجالات الاقتصاد والمجتمع والثقافة، كما عمل في مجال الإعلانات بالخارج.
في ماي 2014، عيّنه بوتفليقة وزيرًا للاتصال، وبقي في منصبه حتى ماي 2017. وقد اعتُبرت هذه الترقية مكافأة على مقالاته في موقع “TSA” باسم مستعار “غني قدوي”، حيث كان يهاجم المعارضة بلا هوادة ويمدح السلطة، دون أن يعلن عن هويته، في أسلوب يجمع بين التملق والحذر الذي وصفه البعض بالجبن.
وفي سنة 2015، فتشته السلطات الفرنسية في مطار باريس-أورلي بعد أن شوهد في حي بارباس برفقة أشخاص مشبوهين، واكتفى حينها بالتذكير بصفته الوزارية دون أن يحتج رسميًا.
ومنذ 6 مارس 2023، وُضع تحت الرقابة القضائية، وسيمثل أمام قضاء بات اليوم — في مفارقة لافتة — يلاحق من كان يحميهم بالأمس.