Site icon lemed24

تبون بين خطاب متناقض وواقع مزعج: الجزائر بين التاريخ والدبلوماسية والمُعضلات الداخلية

أطلّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مساء الجمعة 18 يوليوز 2025 في لقائه الإعلامي الدوري مع الصحافة الوطنية، حيث اعتاد على عرض رؤيته لقضايا البلاد الداخلية والخارجية. لكن هذه المرة، حمل خطابه تناقضات واضحة بين الشعارات الرسمية والواقع الميداني، وبين الروايات التاريخية والدبلوماسية، خاصة فيما يتعلق بتاريخ الدولة، علاقاتها الإقليمية، والواقع الاقتصادي والإعلامي.

في خطوة غير مسبوقة، اعترف تبون ضمنيًا بأن عمر الدولة الجزائرية الفعلي يبدأ من سنة 1962، مع استقلال البلاد، متراجعًا عن الخطاب الرسمي الذي يروّج لتاريخ يمتد لآلاف السنين، ويُستخدم كأداة في الصراع الرمزي مع المغرب. هذا الاعتراف يشير إلى مراجعة تاريخية وتأمل في الهوية الوطنية.

على الصعيد الدبلوماسي، جدد تبون تأكيده على مبدأ “عدم الانحياز” وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، لا سيما في منطقة الساحل، إلا أن تصريحات المسؤول المالي عبد اللاي مايغا، التي اتهم فيها الجزائر بإيواء إرهابيين ودعم مجموعات تعكر الاستقرار في مالي، تناقض هذه المواقف وتفضح ازدواجية الخطاب الجزائري، ما يضع تبون تحت مجهر التناقض الدبلوماسي الصارخ.

أما فيما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة، فقد شدد تبون على استقلالية القرار الجزائري، رغم أن السياسة الأمريكية تؤكد بشكل واضح دعمها للسيادة المغربية على الصحراء، وهو موقف رسمي لا رجعة فيه. هذا التناقض يكشف عن محاولة النظام الجزائري الترويج لصورة وسيط نزيه في نزاع هو طرف رئيسي فيه بدعمه لجبهة البوليساريو.

في مجال الاقتصاد، طرح تبون أرقامًا طموحة حول الإنتاج الفلاحي، مشيرًا إلى وصوله إلى 38 مليار دولار في 2025، وهو رقم يعادل تقريبًا مداخيل البلاد من المحروقات. ومع ذلك، يفتقد هذا الرقم إلى شفافية وواقعية مقنعة، خاصة في ظل أزمة المياه المتفاقمة وانقطاعات التزود بالماء التي يعانيها السكان، حيث تبقى هذه المعطيات أقرب إلى الدعاية منها إلى مؤشرات فعلية.

في ما يخص الإعلام والديمقراطية، دعا تبون إلى تعزيز الصحافة الحقيقية وتأسيس نقابات مستقلة، مدافعًا عن الحريات و”الميثاق الأخلاقي” للمهنة. لكن هذه التصريحات تتناقض مع الواقع المرير في الجزائر، التي تحتل مراكز متدنية في حرية الصحافة، وتفرض سياسات قمعية على الإعلام المستقل، كما يظهر استمرار اعتقال الصحفي الفرنسي كريستوف غليز والكاتب بوعلام صنصال بتهم غامضة، مما يفضح زيف خطاب الإصلاح المعلن.

في المجمل، يعكس خطاب تبون واقعًا مليئًا بالتناقضات بين ما يُقال رسمياً وما يحدث على الأرض، بين السرديات التاريخية والإعلامية، وبين السياسة الخارجية والتحديات الداخلية، مما يضع مستقبل الجزائر في مفترق طرق يصعب فيه الفصل بين الوهم والواقع.

Exit mobile version