في ليلة 18 إلى 19 سبتمبر، فرّ الجنرال عبد القادر حداد، المعروف باسم ناصر الجان («الشيطان»)، الرئيس السابق للمخابرات الداخلية، بينما كان قيد الإقامة الجبرية. على متن زورق سريع، عبر البحر الأبيض المتوسط سرًا ليصل إلى سواحل أليكانتي، مثل مهاجر مجهول من بين كثيرين.
بقلم: هشام عبود
أحدثت القضية صدمة مدوّية في الجزائر: ناصر الجان، على متن زورق سريع، فرّ في قلب الليل مثل مهاجر يائس، ليحتمي على السواحل الإسبانية. أن يختار رجل في مكانته، في قلب النظام، المنفى السري، يعبّر أكثر من أي شيء آخر عن تآكل النظام وصراعات الأجنحة التي تمزّق الهرم العسكري منذ نحو عقد.
أُطلقت في الجزائر حملة مطاردة تذكّر بسنوات الرعب. ردّة فعل السلطات اتخذت شكل حالة حصار: مروحيات تحلّق فوق العاصمة، حواجز طرقية، مداهمات واسعة. طوال عطلة نهاية الأسبوع، عاشت المدينة على وقع ما يشبه «عملية القفص». السكان، العالقون في ازدحامات خانقة، لم يفهموا السبب.
حداد، المخضرم في حرب التسعينيات ضد الجماعات الإسلامية المسلحة، يعرف جيدًا أساليب المطاردة وحرب العصابات المضادة. خبرته ربما مكّنته من الإفلات من القبضة الأمنية المحكمة. الصحافة الوطنية، الملتزمة بقانون الصمت، لم تذكر شيئًا؛ وحدها شبكات التواصل الاجتماعي تناقلت خبر الهروب. أما وكالة الأنباء الرسمية (APS)، فاكتفت بالإعلان عن اجتماع استثنائي للمجلس الأعلى للأمن، برئاسة تبون، بحضور رئيس الأركان سعيد شنقريحة، من دون ذكر جدول الأعمال.
جيش من الجنرالات الفارين
يعرف حداد إسبانيا جيدًا، حيث يمتلك عدة ممتلكات. ففي 2019، وجد فيها ملجأ هاربًا من حملة التطهير التي أطلقها رئيس الأركان الراحل أحمد قايد صالح، بعد إقالة الجنرال القوي محمد مدين وتفكيك جهاز المخابرات (DRS).
تحوّلت إسبانيا مع مرور السنوات إلى ملاذ لأمراء الجيش الجزائري المغضوب عليهم. الجنرال خالد نزار، وزير الدفاع الأسبق، استقر هناك في يوليو 2019 هاربًا من القضاء العسكري الذي حكم عليه بـ20 سنة سجنًا، قبل أن يعود إلى الجزائر قبيل وفاته عام 2023.
قبل ذلك بأشهر، فرّ الجنرال-major حبيب شنتوف، القائد السابق للناحية العسكرية الأولى، ليستقر مع عائلته في شبه الجزيرة الإيبيرية. فيما انتهت منافي أخرى بشكل مأساوي، مثل وفاة العقيد عمر بن شايب وابنه عام 2001 في حادث غامض، حين صدمهما قطار في أليكانتي.
أما الجنرال-major غالي بلقصير، القائد السابق للدرك الوطني (2018-2019)، فاختار باريس، حيث يمتلك عقارات مهمة.
وفاة قايد صالح المفاجئة في ديسمبر 2019 فتحت الباب لعودة حداد إلى الجزائر. تمت ترقيته إلى رتبة جنرال في يوليو 2022، ثم عُيّن مديرًا للمركز العملياتي الرئيسي، وأخيرًا في يونيو 2024 وضعه تبون على رأس المخابرات الداخلية (DGSI). لكن في الجزائر، الولاءات عابرة وسريعة الزوال.
هروب «الجان» من إقامته الجبرية، وهي فيلا فاخرة اشتراها مؤخرًا، يكشف أكثر من مجرد خلل. إنه يسلّط الضوء على هشاشة نظام تمزّقه صراعات العشائر، حيث انتهى خلال عشر سنوات ما يقارب 200 ضابط سامٍ – بينهم أكثر من 60 جنرالاً – خلف القضبان، تبعًا لأهواء رئيس الأركان سعيد شنقريحة، الحاكم المطلق لجيش يُذلّ رجاله الأقوياء السابقين بالصمت والإهانة.
إسبانيا… ملاذ آمن، لكن ليس للجميع
مدريد لم تسلّم يومًا أيًّا من كبار الجنرالات الجزائريين إلى القضاء في بلادهم. لكن الضباط الأقل رتبة لم يحظوا بالمعاملة نفسها. ففي 2022، قام وزير الداخلية الإسباني فيرناندو غراندي-مارلاسكا بطرد الدركي السابق محمد بن حليمة، المحكوم بالإعدام من محكمة عسكرية جزائرية بعد أن فضح الفساد على يوتيوب. وقبلها بأشهر، واجه محمد عبد الله، وهو دركي سابق آخر، المصير نفسه، وإن كانت زوجته وأطفاله قد بقوا في إقليم الباسك. كلاهما يقضي اليوم أحكامًا ثقيلة في السجون الجزائرية.
هذا السجل يجعل من الصعب على الجزائر الحصول على تسليم عبد القادر حداد. خصوصًا أن إسبانيا، على عكس تركيا – التي سلّمت المساعد قرميط بونويرة، السكرتير الخاص لقايد صالح – لم تُبدِ يومًا استعدادًا للخضوع لضغوط الجزائر. علمًا أن بونويرة كان يحتفظ بملفين خطيرين: أحدهما عن صلات تبون برجال أعمال أتراك، والآخر عن شبكة تهريب الحشيش التي نُسبت إلى الجنرال شنقريحة.
شبح العدالة الدولي
مع ذلك، حداد ليس في مأمن من الملاحقة. فهو موضوع شكوى في إسبانيا لدوره المفترض في اختطاف كاتب هذه السطور، في برشلونة يوم 17 أكتوبر 2024 – عملية إجرامية نُفذت، بحسب عدة مصادر، بالتواطؤ مع شبكة مخدرات يقودها شخص يُعرف بـ«الطرطا».
إضافة إلى ذلك، تفكر عائلات ضحايا الاختفاء القسري في «العشرية السوداء» في رفع دعوى ضده بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. فبحسب شهادة رقيب سابق في المخابرات، نُفّذت عدة إعدامات ميدانية، بدم بارد، داخل ثكنة بن عكنون على يد ناصر الجان ورفاقه. شهادة مرعبة أكدها على يوتيوب رقيب أول يُدعى هواري، الذي اعترف هو نفسه بتنفيذ إعدامات.
فرار الجنرال عبد القادر حداد ليس مجرد هروب عادي؛ إنه حدث قد يفتح «صندوق باندورا». فهو يفضح انقسامات جيش يلتهمه صراع العشائر، ويكشف أسرار سلطة فاسدة ومتهالكة، ويهدد أبرز رؤوس الدولة. الجزائر، المثقلة بالأزمات، لم تكن بحاجة إلى فضيحة جديدة. لكن هذه، ربما، ستكون الأعنف على الإطلاق.